في ظلام ليلي الدامس يكثر الماشون ، وفي يد كل واحد منهم قنديل ، بالكاد يضيء تحت قدمه . أنظر إليهم من شرفتي في المسكن المتهالك ، وأحاول أن أناديهم وأقدم إليهم يد العون ، ولكنهم لا ينظرون إلي ، ولا يبالون بي ، فما أكثر الصائحين من حولهم !
فكرت في النزول إليهم ومشاركتهم المشي بقنديلي المتواضع عسى أن يحالفني الحظ و أنال شرف القرب من أحدهم ، وأحادثه .. خطوت خطوات نحو بوابة المسكن التي ما إن خرجت منها حتى سقطت من سقفه المتصدع حصوات كثيرة كادت أن تلامس رأسي فتجرحه وتأتي على ما فيه .
بدأت أتحسس الخطى بالقنديل وأنظر إلى أحدهم .. إنه أبي .. نعم إنه أبي .. لقد تعثر في المشي قليلا ، بعد أن سقط منه القنديل وتهشمت بعض أجزائه ، لكنه ما زال يعمل بخفوت شديد .. أسرعت إليه ، أريد أن أحمله على رأسي ليستريح من عناء مشيه الطويل قليلا .. اعتذر إلي بكبريائه المعهود وبحسن خلقه الذي طالما نهلت منه ، وقال لي : دعني يا بني فالله معي . تركته وعيناي لا تستطيعان الحيد عن النظر إليه والاطمئنان عليه .
مشيت قليلا فوجدت صاحبي الذي عرفته بالأمس ، ممسكًا قنديله يحاول أن يملأ شعلته التي قاربت على الانطفاء بقليل من الزيت لكي يستطيع المشي في هذا الظلام .. أسرعت إليه ، قلت له يا صاحبي معي فضل زيت فهلا شرفتني بمساعدتك . قال لي : احفظ زادك لنفسك فالطريق طويل .. ابتعدت عنه قليلا وظللت ألحظه من بعيد وشعلته تنطفئ شيئًا فشيئًا حتى هدأت تمامًا . اعتصر الحزن قلبي وقلت : ما بالهم لا يقبلون مساعدتي ؟! ما بالهم يعرضون عني ؟! نظرت من حولي فلم أجد سببًا .. نظرت في قنديلي فعرفت السبب .. لقد قارب هو الآخر على النهاية !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق