إضَاءَاتٌ علَى طَرِيقِ الحَيَاةِ

TimeQuran

السبت، يونيو 25، 2011

حَدِيثُ الفَزّاعَات



















 ربما تتعدد وسائل الدعاية لمنهج ما ، أو تختلف طرائق الهيمنة على مجموعة ما من البشر ، أو ربما تسيطر على أحدهم وسائل الإرهاب الفكري لنشر معتقداته ومبادئه ، لكن تبقى وسيلة " الفزَاعة " أقلها نبلا وأضعفها حُجة . الفزَاعة كما ذكر أهل اللغة لها معنيان : إما بمعنى الكثير الفزع أو الذي يُفزع ، والمعنيان ينسحبان على فزاعات الآونة الأخيرة وينطبقان عليها .

 لجأ بعض ولاة الأمور في كثير من بلادنا إلى استخدام فزاعة الإسلاميين في وسائل إعلامهم المرئية والمسموعة وعلى صفحات جرائدهم ، عن طريق إضعاف شوكة هؤلاء الإسلاميين ، أو تشويه صورتهم بذكر أخبار تنفّر الناس منهم وتثير كراهيتهم ، أو بإظهار جمودهم وجهلهم وتخلفهم ورجعيتهم ، أو بإلصاق التهم بهم ، إلى غير ذلك من الوسائل . اعتقادًا منهم أن ذلك يثبت أركان حكمهم ويوطد دعائم دولتهم ، كما أنه يضمن رعاية القوى الكبرى ودعمها إياهم . 

فزَاعة لطالما أتت على كثير من الأخضر واليابس لدى هذه الأمم ، فكم أنفق هؤلاء الحكام أموالا على تلكم الوسائل ، وبذلوا الكثير من جهدهم وأوقاتهم فيها ، وبدلا من أن تقل أعداد الإسلاميين نراهم يتزايدون ويتزايدون ، ولكنها زيادة عليها غبش وفيها عطن و ملؤها الغثائية والغبن . ذلك أن الممنوع مرغوب فمتى حذرت ومنعت وسفَهت أحدًا لا بد وأن يتساءل الناس عنه ويبحثوا عن حقيقته ، وفي ساحة الفراغ العقلي والخواء العقدي والغياب العلمي ، نمت كثير من الأفكار المنحرفة عن الإسلام باسم الإسلام ، وتزايد أتباعها وتفرقت مذاهبها ، وكل حزب بما لديهم فرحون .

كان ينبغي على ولاة الأمر العناية بتعليم المسلمين صحيح الدين ونشر السنة بين الناس ، وتعليم الصغار قبل الكبار أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة ومذهب الصحابة الكرام والقرون المفضلة ، فبها يتميز الحق عن الباطل وبها ينأى الشباب عن الوقوع بأنفسهم في براثن البدع العقدية والعملية ، ويتحررون من قيود الحزبيات المقيتة ، والتبعية المذمومة والتقليد الأعمى لبشر مثلهم يخطئون أكثر مما يصيبون ويفسدون أكثر مما يصلحون . عناية تنقذهم من العصبية للأشخاص والولاء والبراء تجاه أفكارهم والموالاة والمعاداة عليها . فزَاعة لم تأت بخير أبدًا لا للحاكم ولا للمحكومين ، اللهم إلا خفوت أصوات الأحزاب المسلحة وضعف شوكتها واستئصال شأفتها .

واليوم وبعدما ذاق الإسلاميون مرارة الفزّاعة الأولى واكتووا بنارها ، وبعد أن كانوا يرون أنها بخست حقوقهم ولم تنصفهم أمام الناس ، وأنها وسيلة من لا وسيلة له ، ها هم اليوم  يستخدمونها ضد ما يُسمى بالعلمانيين . فهم يشوهون صورتهم ويسيئون إلى أشخاصهم ويذكرونهم بالسوء وقبائح الأمور وأرذلها مما قد يكون فيهم أو قد لا يكون . وفي حقيقة الأمر تختلف العلمانية من بلد لآخر وتتفاوت صورها ودرجة قوتها وانحرافها ، فما بين الإلحاد إلى إبعاد الدين عن السياسة مع الرضا بالدين ، ثمة درجات وطبقات لا ينبغي إغفالها عند معالجة ما يسمى بالعلمانية . وغالب الظن أن هؤلاء الذين يسمون بالعلمانيين ويعيشون بين ظهرانينا هم أقلهم درجة وأدناهم مرتبة إذا ما نظرنا إليهم بالمقارنة بما هو كائن في أرجاء العالم .

إن هذا العلماني الذي يعيش بيننا وإن اتفقنا على قبح مذهبه وانحراف فكره ، إلا أن طريقة تلك الأحزاب التي تسمى بالإسلامية في مواجهتم لا تزيد هؤلاء إلا قوة وبأسًا ، ذلك أن انحرافات كثير منهم  وخاصة من تشرَب فلسفات الغرب وعقائده واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار للقاصي قبل الداني وللجاهل قبل المتعلم ، ولغير المتدين قبل المتدين . ماذا تنتظر من أي مسلم عندما يسمع أن أحدهم يكره سنن الإسلام الظاهرة ، أو أن أحدهم يسفَه رموز الإسلام العالية ، أو يبغض مظاهر الإسلام في الحياة العامة ، أو يفصل الدين عن الحياة كلها ، أو يتكلم في حق الله جل في علاه بما لا يليق ! 

وهم مع ذلك يستغلون تهافت هؤلاء الإسلاميين على الرد عليهم في صنع أبطالهم وتلميع مفكريهم . وما كان لهم أن يشتهروا ولا أن يعرفوا من الأساس لو لا تسليط الضوء عليهم والسعي في كل الأماكن وخلال كل المنتديات إلى فضحهم وبيان عوراهم . ومما نأسف له أن كثيرًا من الأحزاب المسماة بالإسلامية لم تجد طريقًا أقصر ولا وسيلة أسرع إلى جمع الناس حولهم إلا استغلال عاطفتهم تجاه الدين ، وغيرتهم من أن يمس بسوء . وعند هذه النقطة تلاقت رغبتا العلمانيين والإسلامين ، والناس فيما بينهم كفريسة تتصارعها فكوك السباع .

كثير من علمانيي منطقتنا تتصارع في عقولهم تقاليد ومعتقدات أوطانهم و تقاليد ومعتقدات الغرب ، وكم منا يستطيع من خلال هذا الصراع أن يعود بهم إلى صحيح معتقدهم ، ومن أبى فقد قال الله تعالى في حق من هم أقبح منهم : " ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " . ولو أردت أن تبحث في أصول ضلال هذا العلماني ، أو في أسباب غيَه وفساد فكره ، لن تجد أمامك إلا أصلين رئيسين : الأصل الأول : تشرَبه لفلسفات الغرب ومعتقداتهم المخالفة للإسلام ، وقد ذكرنا من قبل صورًا لذلك . والأصل الثاني : تشربه لفكر أحد المفكرين العقلانيين الذين يسمون بالإسلامين ، والاستدلال بأقواله وكتبه على انحرافه وضلاله . والأصل الثاني أشد خطرًا وأكثر عددًا ، فكم منهم إذا قيل له : الإسلام يحرم كذا أو يمنع كذا ، قال لك : لكن المفكر الإسلامي فلان أباحه وأحله ، إذا قيل له : السنة وأحاديث النبي الكريم تقول كذا وكذا يقول لك : لكن المفكر الإسلامي فلان يقول بأن أحاديث الآحاد لا تقبل وتكفينا المتواترة ، وما علم هو ولا مفكره ذاك أن الأحاديث المتواترة لا تزيد عن المئة إلا قليلا ، وأن جل الأحاديث النبوية  آحاد ، وعليها قامت أكثر شعائر الدين . إذا قيل له يجب على المرأة كذا وكذا من الأحكام الشرعية ، قال لك : لكن المفكر الإسلامي فلان أباح لها ذلك وأقره ، وقد لا يستدل بهذا المفكر لتعظيمه واحترامه له وإنما للانتصار لقوله وحسب ، وقس على ذلك .

رحم الله سلفنا الصالح حيث أكدوا  وبينوا أن البدع وأهلها أشد خطرا على الإسلام وأهله من العدو الخارجي ، ذلك أنهم يهدمون من حيث لا يعلمون ، وضررهم على الناس خافٍ ، ومساوؤهم في تفريق الكلمة وذهاب ريح المسلمين ظاهرة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : قال أبو الفضل الهمداني رحمه الله تعالى : مبتدعة الإسلام و الكذابون و الواضعون للحديث أشد من الملحدين ، قصدوا إفساد الدين من خارج ، و هؤلاء قصدوا إفساده من داخل ، فهم كأهل بلد سعوا في فساد أحواله ، و الملحدون كالمحاصرين من خارج ،  فالدخلاء يفتحون الحصن ، فهم شر على الإسلام من غير الملابسين له . [ الصارم المسلول ٢ /  ٣٢٩ ]

وعليه فللقضاء على طائفة لا بأس بها من العلمانيين لا بد من تنقية وتصفية ما ينشر ويكتب ويؤلف ويلقى على مسامع الناس باسم الإسلام ، والتوجيه وبذل النصح في هذا الباب ، والأخذ على أيدي القائمين على ذلك بالنصح تارة وبالتحذير تارة إذا ذاع ضلاله وغدا كلامه حديث الناس في مجامعهم ودينًا يدينون الله به ويلقونه عليه . وأما الطائفة المتلبسة بالأصل الأول وحسب   فبيان تلبيسهم وضلالهم واجب بلا شك وإن كان لا يُحتاج معه إلى كثير بيان ، ولا لعظيم جهد .

وإن يكن بعد هذا الطرح من فزَاعة تستحق الخوف والفزع حقًا وصدقًا ، فإنما هي الوقوف بين يدي الله عز وجل " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم " ، " يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون " .