إضَاءَاتٌ علَى طَرِيقِ الحَيَاةِ

TimeQuran

الاثنين، نوفمبر 28، 2011

يسْقط يسْقط حُكم الشّعب


















" أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون " المائدة 50 . يقول ابن كثير رحمه الله :  ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير ، الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات ، التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله ، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات ، مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم . ( تفسير ابن كثير 130 / 3 ) . 

كم يضيق صدري وتذهب نفسي حسرات على قومي ، الذين يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير . كيف لأمة لم يعرف التاريخ حضارة كحضارتهم ، بلغوا ذرى المجد في الدين والعلم والأخلاق ، أن تسير على خطى قوم هلكوا وخلفوا وراءهم تاريخا وثنيا قبيحا ، قوم صنعوا لأنفسهم آلهة من كل لون و نوع ، فإله للحرب وإله للجمال وإله للسلام وإله للحب ... وإله ... وإله ... ثم هم إذا لم يرضوا عن آلهتم قاتلوهم .. قاتلهم الله .. 

أيا قوم .. كيف لبني يونان أن يحكمونا الآن ؟!! ألهذه الدرجة اتبعنا سنن من كان قبلنا ؟!!  روى الشيخان عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه " 

                             من يهـن يسهل الهوان عليه  **  مـــا لجـرح ميـت إيـــلام


بالله يا قوم أين عقولكم ؟!! لو أن أحدكم أقام مؤسسة أو شركة أو مصنعًا وأراد أن يولي عليها من يقيم شؤونها ويرعاها ، هل سيستعين بآراء كل من هب ودب من العامة و الدهماء و النساء و الأطفال وغير المختصين ليرشدوه إلى من هو أهل لهذه الولاية ؟!! إن المعيار الأوحد الذي تقيس عليه العامة والدهماء هو العاطفة والحماسة لا العقل والشرع .  والأعجب من هذا أن يساوى الرجل صوت العالم المتخصص بصوت جامع القمامة بهذه المؤسسة !!

لو أن مجموعة مرشحين في دائرة انتخابية ما عرضوا برامجهم وأفكارهم على أهل الدائرة ، وأجمع عقلاء القوم وكبارهم على أن شخصا ما بعينه هو الأصلح لأهل هذه الدائرة ، وكان عدد هؤلاء الحكماء العقلاء الكبار مئة شخص مثلا وعدد أهل الدائرة من العامة والرعاع ألف شخص ، فبأي منطق ستكون وجهتك أيها العاقل .. أتقاس الأمور بالكم أم بالكيف ؟!! لقد حكمنا على أنفسنا بالهلاك إن طبقنا هذه الديموقراطية .

أيها الأخ العاقل الكريم كيف لصوت شيخ الأزهر أن يتساوى وصوت راقصة داعرة ماجنة ؟!! كيف لصوت عالم كأحمد زويل مثلا أن يساوى بصوت أمي لا يحسن القراءة والكتابة .. بل قد لا يحسن التفكير ؟!! إنه قانون الديموقراطية الذي أطاح بحضارة الغرب الأخلاقية إلى الهاوية .

قد فطن القوم في بلاد الغرب إلى هذه الخدعة الكبرى المسماة بالديموقراطية ، فتراهم يتركونها لشعوبهم يلعبون بها .. فيسنوا لأنفسهم قوانين إباحية أو قوانين لجمع القمامة و تحديد العلاقة بين الجار و جاره ، وقوانين المرور وغيرها .. أما فيما يتعلق بأمور السياسة الحقيقية فلا صوت يعلو فوق صوت الحاكم .. فتفطّن ولا تُخدع ! هذه أمريكا أحد أكبر منابر الديموقراطية في العالم الآن لا تجد فيها غير حزبين لا ثالث لهما .. أحدهما فقط هو الذي يتبنى الفكر الديموقراطي والآخر يتبنى الفكر الديني المحافظ !! 

ألا تعتمد الديموقراطية على رأي الأغلبية ؟!! فما بال القوم في الغرب تنهاهم شعوبهم عن احتلال أفغانستان والعراق ولا يقيمون لآرائهم وزنا ولا لأصواتهم قيمة ؟! إنها الخدعة الكبرى التي انطلت شعوب العالم الثالث !

لقد ذمت الشريعة الغراء الكثرة التي تسمى الآن بالأغلبية في غير موضع من الكتاب والسنة ، فمن ذلك قول الله عز وجل : " وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله " الأنعام 116 ، وقوله جل في علاه : " وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " يوسف 103 ، وقوله تعالى : " والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات .. " العصر . وإخبار النبي صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيدخل الجنة يوم القيامة من كل ألف واحد لا غير كما في صحيح البخاري 4 / 138   ، وإخباره بأن الفرق الضالة ثلاث وسبعين ، الناجية منهم واحدة . أخرجه ابن وضاح في البدع 2 / 167 والمروزي في السنة 1 / 23 والآجري في الشريعة 1 / 307 وابن بطة في الإبانة  1 / 373 وصححه الحاكم في المستدرك 1 / 218 . 

كيف لمسلم أن يرضى بمجلس يجعل المسلمات الشرعية والأحكام الإلهية عرضة للتصويت والاستفتاء ؟! فإن رضي عنها الشعب الموقر أمروها ، وإن لم يرض أوقفوها وعطلوها ! 

إذا كان الشعب في الديموقراطية هو الحاكم ، فمن يكون إذن المحكوم ؟!! وكيف يكون هو القاضي والخصمان في آن واحد ؟!! وماذا لو حكم على نفسه بشيء لم يعجب بعضه ؟! أنلزم هذا البعض بما حكم به البعض الآخر ؟!! ولماذا نلزمهم ؟!! وعلى أي أساس ألزمناهم ؟! أين الحرية إذن ؟!! يسقط يسقط حكم الشعب !