إضَاءَاتٌ علَى طَرِيقِ الحَيَاةِ

TimeQuran

السبت، مارس 05، 2011

قِطـَارُ الأَحْـدَاث

















تتوالى الأحداث سراعًا في بلدنا الحبيب ، وأقدار كونية تتسابق ولا ندري ما وراءها . بالأمس القريب كنا في ظل حاكم استمر في سدة الحكم ثلاثين عامًا ، عشنا خلالها كثيرا من الأحداث المحزنة والمفرحة ، وكنا - كلنا - جزءًا من هذا النظام شئنا أم أبينا . لا يستطيع أحد منا مثلا - إلا من رحم الله وقليل ما هم - أن ينكر أنه قد شارك في فساد إداري أو مالي ، أو كان عونًا في نشر الرهبة والخوف من التدين و الالتزام ، أو حتى تثبيط من ينادون بالقيم والأخلاق وإيهامهم بأن فساد الخُـلـُق والتطاول على الآخرين هو السبيل الوحيد لأخذ الحقوق في هذه البلد .

قام الناس على الحاكم ونظامه قومة زلزلت أركانه وقضت بنيانه ، وتساقطت رموزه الواحد تلو الآخر . وحدثت خسائر في الأرواح والممتلكات . وانتهى الأمر بفرض كلمة الجماهير على صفحة جديدة من صفحات تاريخ هذا البلد ، وساعد على ذلك وما زال جيش مصر ورجاله الأوفياء .

نعم قد نرى ونعيش في المستقبل القريب انتعاشًا اقتصاديًا ، ورخاءً ماديًا . قد يتزايد الشعور بالأمان لدى المواطن وبحرية الرأي والتعبير ، نعم قد تستطيع ممارسة مزيد من النشاط السياسي والديني . سوف يكون بإمكانك محاسبة الشرطي والمسئول بل الوزير والرئيس . سوف تكون حرًا في نشر فكرك على الملأ ودون تحفظات أو إملاءات . ستختفي العشوائيات والقرى البائسة والأسر الفقيرة المعدمة من خريطة هذه البلد ، ستمتلئ ساحات العلم والبحث بالعلماء والمشاريع والاختراعات ، سوف تصبح مصر دولة ديموقراطية من دول العالم الأول ، وسيتهافت عليها طلاب العلم والمال من كل الأنحاء للارتقاء بمستواهم العلمي والمادي .
 
لكن دونك أخي الكريم هذه الوقفات .. 

الوقفة الأولى : ماذا لو تحولت مصر لدولة ديموقراطية حقًا وصدقًا ؟! إن الديموقراطية والتي تعني حكم الشعب بالشعب ، ذات ميزان متغير يعتمد في أساسه على مدى خلق وتدين هذا الشعب أو ذاك . فاحتمال زيادة التيار الإسلامي بكل فرقه وطوائفه وارد ، واحتمال العكس تمامًا وارد أيضًا ، فالحرية التي تكفلها تلك الديموقراطية قد تفتح الباب على مصراعيه لكل مفسد وصاحب فكر منحرف . إن للديموقراطية عورات وسوءات عانى منها ويعاني كل من يطبقها في عالمنا المعاصر ، و لست بكاتم سرًا على أحد عندما أذكر له كمَّ الفساد والانحراف الأخلاقي في منابر الديموقراطية في العالم . 


إنها مثلا تساوي في صندوق الانتخاب بين صوت شيخ الأزهر وصوت راقصة ماجنة داعرة ، ودونك النتائج التي لا تخفى أحد .إنها تكفل الحرية لكل من يريد إبداء رأيه ولو كان مخالفًا لكل الثوابت والمعتقدات ، بل تعطيه حق النشر وتكوين الأحزاب التي تكون منبرًا لهذا الرأي ويكون جزءًا من البرلمان الذي يتحاكم إليه الشعب . إنها أيضا تعني حرية الإعلام المطلقة التي تسمح بازدراء الأخلاق والأديان ، وبدلا من أن كنا نواجه  بعض مخرجي الأفلام و الممثلين الذين دعوا إلى الرذائل والانحلال ، أو بعض المفكرين العلمانيين ، أو حتى بعض المتشددين المتنطعين ، فإننا سنواجه بعد ذلك وفي ظل الديموقراطية المئات بل الألوف منهم . 

إنها كما تحمي المصلحين ، فإنها تحمي أيضا المفسدين ، فمن حق من يدين بالديموقراطية ممارسة مايريد مع من يريد وفي أي مكان يريد . في ظل الديموقراطية سيتوجب عليك أن تقف عند حد معين في تأديبك لأبنائك وزوجتك ، ولا تتجاوزه وإلا سيكون السجن في انتظارك . ولا تعتقد أن هذا الحد يعني الضرب أو الإهانة ، فمنعك مثلا من سفر ابنك أو زوجتك أو مصاحبة من يشاءون وقت ما يشاءون ليس من حقك ، وقس على ذلك .
     
الوقفة الثانية : دعوة للتأمل والتفكر في ديننا العظيم ، فما أحوجنا إلى التمسك به وبتعاليمه ، التي هي خير على العالم أجمع مسلمه وكافره . إن هذه الشريعة الإلهية تحمل بين طياتها كل مميزات النظم الوضعية وتزيد عليها ، ففي الإسلام تُحفظ الحقوق والأموال ، وفيه حرية البيع والشراء والكسب مادام حلالا ، وفيه العدل مع الشريف قبل الضعيف ، وفيه الحرية الموزونة بميزان ٍ لا يُضر فيه أحد ولا يُساء إليه ، وفيه محاسبة الحاكم والمحكوم ، وفيه الرخاء الاقتصادي والعدالة الجتماعية ، وفيه القيم والأخلاق والمبادئ ، وفيه حماية االنفس والعرض والمال ، وفيه .. وفيه .. وفيه .. 
 
ما أحوجنا إلى الرجوع إلى ديننا والتمسك به وبتعاليمه ، ولا يصح أن تسبقنا إلى ذلك الأمم الأخرى ، التي تكتشف من حين لآخر عظمة تشريعاتنا الإسلامية ، بل إن كثيرا منهم يحاول تطبيقها على بني وطنه لما فيها من الفوائد النافعة والمصالح الباهرة .

الوقفة الأخيرة : دعوة لطلب العلم المبني على الكتاب والسنة وبفهم سلف الأمة ، والنهل من الثقافة والعلوم المختلفة ، فسلاحنا الوحيد في خضم تلك الأحداث هو العلم الشرعي الصحيح والثقافة العلمية الشاملة ، والاجتهاد في نشرهما ، ففي قطار الأحداث الذي يمشي مسرعًا لا يدري أحدنا إلى أي اتجاه سوف يأخذنا ، ولا إلى أين سينتهي به المطاف ، وليس لنا إلا الله .

 

السبت، فبراير 05، 2011

مُعَادَلَة التَّغيِيِـر

















إن تغير الأحوال سنة كونية ماضية ، قد تكون تارة إلى الرفعة والسمو وتارة أخرى إلى الخذلان والضنك . وتأبى النفس الإنسانية بطبيعتها الذل و تكره السأم  وتسعى دومًا إلى التحول للأفضل ، وإن نفسًا لا تتصف بتلك المعالي لا تستحق الحياة . ولكن قبل أن يستقيم أي تغيير ويؤتي ثماره لا بد من إعداد روحي ونفسي ثم إعداد واقعي عملي . 

قد نجني بعض النتائج الحسنة من ثورة انفعالية أو حماسة وقتية ، لكن بإمعان النظر وبالتدقيق في العواقب تختلف الرؤى وتتبدل النتائج بعد حين . فقد شارك بعض أفاضل الصحابة - على حين رفض الكثير منهم - في الخروج على نفر من حكام المسلمين لما يرونه فيهم من مخالفة لأمر الله وشرعه ، وحدث نزاع وقتال كما ذكرت كتب التاريخ والسير ، وأريقت الدماء الزكية ووقعت الفتن ولم يتغير شيء .. نعم لا تعجب لم يتغير شيء ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حول تلك الأحداث وأمثالها : "وقلَّ من خرجَ على إمامٍ ذي سلطانٍ إلا كانَ ما تولدَ على فعلِهِ من الشرِّ أعظمَ مما تولدَ من الخيرِ"، حتى قال : "وأما أهلُ الحرةِ وابنُ الأشعثِ وابنُ المهلبِ وغيرُهم فهزموا وهُزمَ أصحابُهم، فلا أقامَوا دينًا ولا أبقَوا دنيَا، والله تعالى لاَ يأمرُ بأمرٍ لا يحصلُ بِهِ صلاحُ الدينِ ولا صلاحُ الدنيا".  

 إن معادلة التغيير قد أجلاها الله بأفصح بيان حين قال جل في علاه  : " إنَّ الله لا يغيَّر مَا بقومٍ حتَّى يغيِّروا مَا بأنفُسِهم " ، وكل تغيير عداه ولو حدث فهو تغيير صوري ما لم يواكبه تغيير في النفس .. كلنا يريد تغيير القادة الظلمة وأصحاب المناصب المفسدين ، لكن أتتوقعون بمجرد الصياح أن يذهب صاحب منصب ما ويأتي بدلا منه أبو عبيدة عامر بن الجراح أمين الأمة ؟؟ أم معاذ بن جبل أعلم الأمة بالحلال والحرام مثلا ؟؟ الإجابة بالطبع : لا ، سوف يأتي واحد منا متدين بديننا ومتخلق بأخلاقنا ؟؟ ثم انظروا إلى قدر أخلاقنا وديننا وستعلمون حينئذ حقيقة التغيير ؟؟

وبنظرة خاطفة على تاريخنا الحديث وثوراته المتعددة ، تكاد لا تجد ثورة حدثت في أية بقعة إسلامية إلا وخلفت وراءها واقعًا أشد سوءًا وأضعف قوة و جاهًا . لكن عندما ثار كثير من الناس على الخرافات والشعوذة باسم الدين أصبحت لا تسمع لها صوتًا ، عندما ثاروا على كثير من الموروثات الفاسدة والتقاليد الخاطئة البالية اندثرت ولم تجد لها أثرًا . عندما ثاروا على الجهل بعلوم العصر والتقنيات الحديثة أصبحت ترى لنا علماء في أدق و أصعب المجالات العلمية . عندما ثاروا على ضعف قوتنا العسكرية مقارنة بالغرب وجدت في بلاد الإسلام عامة كل أنواع الأسلحة حتى النووية منها . ولا يلزم أن تكون الثورة زعيقًا وصياحًا وهياجًا ، إنما الثورة الحقيقية تكمن في الإرادة والتصميم ثم حسن التنفيذ والتطبيق ولو تكلف هذا التغيير بعض الأذى والتضييق .. وبذلك تتبدل الأحوال وتنصلح .

ومن العجب بمكان ألا نرى ثورات عارمة ولا انتفاضات شعبية كاسحة جراء ما يحدث للمسلمين في أنحاء العالم من قتل وتعذيب بل وإبادات جماعية ؟! لماذا لم نر ثورات عندما عُطلت كثير من أحكام الشريعة الإسلامية في كل أقطار الإسلام تقريبًا ؟! لماذا لم نر ثورات عندما انتشرت الخلاعة والمجون في بلاد الإسلام وعلى أيدي أبنائها ؟! 
 
إنها ليست دعوة للتظاهر مرة أخرى وليست أيضًا دعوة للإحباط ، ولا محاولة لإعاقة الهمم عن إرادة التغيير ، وإنما هي محاولة لصبها في مسار تجني به - بإذن الله وتوفيقه - ثمار تلك الإرادة الطيبة ، وتنأى بها عن أن تتخطفها معاول الظلام أو تهوي بها رياح التهور في مكان سحيق .
 
 

الجمعة، يناير 07، 2011

الحَاجَة إِلىَ الشَّريعَةِ

















  
خلق الله – عز وجل – الخلق لعبادته ، واصطفى من البشر رسلا لبيان مراده وغايته . وقبل أن يتفضل على عباده ببيان مطلوبه منهم ، ذلل لهم السبل التي تعينهم على تأديته . وكان هذا التذليل على وجهين ، الأول : جعل المخلوقات كالشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها في خدمته . الثاني : إنزال شرعة حكيمة موافقة لمصالحه في العاجل والآجل معًا .

وتتابعت الرسل – صلوات الله وسلامه عليهم – ببشارة من أطاع الله ووحده وطبق شرعته ، ونذارة من رغب عن ذلك وخالفه . حتى جاء خاتم الأنبياء والرسل محمد – صلى الله عليه وسلم – بأفضل وأكمل شرعة ، قال الله في كتابه الحكيم : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " [ المائدة 3 ] .

والإنسان محتاج بطبعه إلى نظام يقيم شئون معاشه ومعاده ، فلو وكل أمر إقامته إليه لفسدت الأرض ومن فيها ، يقول الله تعالى : " ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير " [الشورى27]، ويقول تعالى : " قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذًا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورًا " [ الإسراء 100 ] ، ويقول تعالى عن ظلم الإنسان وجهله : " إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلومًا جهولا " [ الأحزاب 72 ] .

إن الجهل بمقاصد شريعتنا وخصائصها نأى بنفر غير قليل إلى مسالك الضلال والتشدد ، فألزموا أنفسهم وغيرهم ما لم يلزمهم به الشرع ، بل توعدوا وهددوا كل من خالفهم ، فكانت الفتنة والله المستعان .

وقوم آخرون اتخذوا التيسير مطية للانسلاخ عن الشرع وفعل المحظور ، فشاركوا من قبلهم في الضلال ، والحق بينهما بلا إفراط ولا تفريط . يقول ابن القيم – رحمه الله – في كتابه إعلام الموقعين ( 3 / 3 ) : " وقع بسبب الجهل به – أي بناء الشريعة على مصالح العباد – غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ... " .

الثلاثاء، يناير 04، 2011

إنفلوَنزَا الخنَازِير






















 لا شك أن الابتلاء سنة كونية ماضية على كل المخلوقين ، فالمسلم إذا أصيب وصبر أثابه الله عز وجل وثبته ،وإن أصيب وسخط أثِم و وكله الله إلى نفسه ، و على كل حال علينا دومًا سؤال الله العافية من البلاء و الرضا بقضائه عز وجل وقدره .

ومما ابتلى الله عز وجل به الناس في هذه الأيام  المرض المعروف بإنفلونزا الخنازير - عافانا الله وإياكم - ، وهو مرض ينتقل بين البشر عن طريق اللمس أو التنفس أو عن طريق الرذاذ المنطلق من الفم في حالات البرد والسعال ، يصيب الله به من يشاء ويصرفه عمن يشاء ، كما أنه في بعض أحواله قاتل ؛ ولذلك فالكل يتوجس خيفة منه .

وفي هذا الصدد قرأت مقالة في جريدة الأهرام توضح أن هناك ستة فروق بين الإنفلونزا العادية ( ع ) وإنفلونزا الخنازير ( خ ) ؛حتى لا يفزع الناس من مجرد الإصابة بالبرد أو بالسخونة. وهذه الفروق هي: 1- ارتفاع درجة الحرارة : ( ع ) نادر، ( خ ) أساسي و يستمر في بعض الحالات إلى 3 أو 4 أيام . 2- السعال : ( ع ) يكون مصحوبًا بالبلغم ، ( خ ) يكون حادًا وبدون بلغم . 3- آلام الجسم والصداع :   ( ع ) خفيفة ونادرة الحدوث ، ( خ ) حادة جدًا ومن أساسيات الأعراض . 4- انسداد الأنف : ( ع ) أساسي ويتلاشى خلال أسبوع ، ( خ ) لا يوجد عوارض انسداد أو رشح الأنف . 5- القشعريرة : ( ع ) نادرة الحدوث ، ( خ ) أساسي .   6- تطور الأعراض : ( ع ) بشكل بطيء ، ( خ ) بشكل مفاجئ وسريع في خلال 3 إلى 6 ساعات . سلم الله الجميع .         



الثلاثاء، ديسمبر 28، 2010

أمـَانـَة عَليـك













  




" أمانة عليك .. " كلمة يتداولها الكثير من الناس للتعبير عن رغبتهم في إيصال شيء لأحبابهم ، أو للاطمئنان على إتمام شيء ما . الأمانة خلق كريم يحبه البعض ولا يطبقه ، ويتخلق به آخرون ، يقينًا منهم بأن التمسك بالأمانة سبب عظيم لانتشار السلام النفسي والاجتماعي .  

و للأمانة صور عدة : فمنها الأمانة في تعلم الدين والعمل به وتعليمه ، والأمانة في نقل العلوم ، والأمانة في حفظ الأسرار ، والأمانة في حفظ حاجيات الآخرين ، والأمانة في المسئولية عن شيء ما . وقد حث الشارع الحكيم على أداء الأمانة وحذر من الخيانة في غير موضع من الكتاب والسنة . وما أكثر ما يندرج تحت مفهوم الأمانة في حياة المعلم . فعقول أبنائنا التلاميذ الذين هم عماد المستقبل أمانة .. إتمام أعمال القسم المكلف بها على أفضل وجه أمانة .. إتمام أعمال المدرسة المكلف بها على أتم صورة أمانة ..  أداء أعمال التصحيح للواجبات والامتحانات بدقة وإتقان أمانة .  

ولا يخفى على أحد منا أن الرقيب الحقيقي في ذلك هو الله جل في علاه ، كما أنه ليس لأحد على أحد سلطة حقيقية إلا سلطة الشرع التي تتفاوت بين الناس . أما سلطة القانون والإجراءات التأديبية فيسهل التملص منها بل والتعدي عليها - أحيانًا - من ضعاف النفوس . الأمانة مسئولية معلقة في رقابنا شئنا أم أبينا ، والسعيد من حفظها في الدنيا ؛ ليحفظه الله بها من سعيره في يوم الوعيد .. والسلام